عصر اليوم، أغلق عبده شقته الصغيرة. غادر المكان مسرعًا -وفق أحد جيرانه، الذي رفض ذِكر اسمه- بعد الضجة المثارة حوله، وتردد بعض الصحفيين على المكان. يقول جاره الشاب: “عِرفنا إنه هيسافر بلده في سوهاج لحد ما الأمور تهدى. هو راجل بسيط وحالته صَعبة”.
يعيش “خريج التوك توك” في أحد العقارات بطريق المستقبل -العشوائيات- بمدينة 6 أكتوبر، داخل شقة صغيرة لا تتعدى الـ 53 مترا، برفقة زوجته وطفليه الصغيرين. يخرج كل يوم في الصباح الباكر، بحثًا عن قوته وقوت عياله، غير أن مكَسبه لا يكفي. “هيلاحق على إيه ولا إيه.. الشقة بـ 850 ج في الشهر غير الكهربا والنور ومصاريف البيت” كلمات يلفظها خال عبده بآسى.
كَبر مصطفى عبده أمام عيني خاله، الحاج محمد، منذ أن كانا يعيشان في سوهاج برفقة الأسرة. انتقلوا جميعًا منذ زمن إلى عاصمة المعز. “قعدنا في روض الفَرج، ومصطفى كان بيدور على شغلانة”، يقول الخال. استقر في نهاية المطاف كعامل في محل لصيانة “الموازين”، لكنه تَرك المهنة عند انتقاله إلى مدينة السادس من أكتوبر. هناك اشترى “توك توك” بالاشتراك مع شقيقه، سَعد، ليصبح رفيق دربه.
لا يبدو من تعاملات علده مع جيرانه، أية تفاصيل توحي بالشجاعة التي ظهر عليها في أحد البرامج التلفزيونية. تعجب رياض سيد -أحد جيرانه- عندما شاهده في التلفزيون. يقول الرجل الخمسيني مستغربا، “هو مكملش تعليمه عشان يبقى عنده طلاقة كدا في الكلام”.
لم يندهش خال “خريج التوك توك” من تَصرف ابن شقيقته. “هو طقهان، ولما شاف الكاميرا فض بَطنه من اللي جواه”، يقول الخال مضيفا أنه كثيرًا ما يستمع إلى شكواه. صار ذلك طقسًا معتادًا، لم يستطع السائق مجاراة غلاء الأسعار وبالتالي غلاء المعيشة، في الأونة الأخيرة. طلبات البيت لا تنتهي، وقلة حيلته تَكسره. “لو تشوفه تحِس إنه زي عود ناشف من التَعب”.
الشائعات المتداولة عن انتماء عبده إلى جماعة الاخوان المسلمين التي حظرتها الحكومة وأعلنتها جماعة إرهابية، تؤذي جيرانه واقاربه. لا يصدق صاحب سوبر ماركت في نفس البناية الأمر. “نعرفه من سنين، مشفناش منه أي حاجة تقول كدا”، يقول الرجل الخمسيني، مضيفا: “لو كان إخوان وبيعمل حاجة تضر البلد كنا هنسلمه”. يضحك خاله مؤكدًا أن الأسرة جميعها انتخبت الرئيس عبد الفتاح السيسي، من بينهم ابن شقيقته. “كان متحمس جدًا للرئيس، بس موضوع الغلاء هو اللي خَنقه”.